تعتبر الحوكمة أحد أهم التوجهات المعاصرة في الإدارة التربوية، بل أصبح المصطلح واحداً من بين أبرز المفردات شائعة الاستخدام لدى النظم التربوية في كافة أرجاء العالم.
وعلى الرغم من ظهوره في بداية نشأته في المجال الصناعي والتجاري ؛ كآلية لمواجهة ظواهر الفساد المالي والإداري، فإنه سرعان ما تحول إلى المجالات الخدمية ومنها مجال التعليم، وصارت الحوكمة معياراً لتحديد كفاءة المؤسسات التربوية ، ومدى قدرتها على الوفاء بتوقعات المستفيدين وأصحاب المصلحة، بل أصبح ينظر إليها باعتبارها منهجية دقيقة لمواجهة حالات الفساد الإداري وتفعيلاً لمبادئ النزاهة ، وتأسيساً لمبدئ المساءلة والمحاسبة، وتفعيلاً لمشاركة المستفيدين في إدارة المؤسسات التربوية ، وتأصيلاً لعدالة التوزيع المتوازن والجَدي لمهام ومسئوليات الوحدات الادارية بالمؤسسات التربوية .
إذن يرتكز مفهوم الحوكمة على مبدئي الضبط والالتزام في تنفيذ كافة العمليات الأكاديمية، والإدارية، واتخاذ القرارات الصادرة عن المجالس الحاكمة بالمؤسسات التربوية. وبما لا يتعارض مع اللوائح المنظمة والتشريعات المعمول بها.
ومن ثم فإن الحوكمة ـــ وفق هذا المنظورــ تعتبر منهجاً جديداً لإدارة المؤسسات التربوية تتخلى فيه الإدارة التربوية عن ممارستها التقليدية النمطية لصالح منهجية أكثر عدالة وتشاركية. بحيث تستند هذه المنهجية على (القيادة التشاركية) بما تتضمنه من آليات التعاون والتعاضد والمشاركة والتآزر؛ التي لا تعتمد على فرد واحد بل يتم توزيع المسؤوليات والأنشطة عبر مجموعة كبيرة من الأفراد.
والقيادة التشاركية تتضمن أفراداً شتى ( مدراء، مشرفيين تربويين، معلمين، الطلاب، الإداريين، أفراد المجتمع المحلى وأولياء الأمور …. وغيرهم) يعملون معاً لتحقيق أهدف محددة. ويظل نجاح تلك القيادة مرهونة بالعمل كفريق يعمل على التحسين المستمر للأداء، من خلال التركيز على مثلث ثلاثي الأضلاع يتضمن عناصر: الشفافية، والنزاهة، والمساءلة.
ولذلك فإنه يتعين على المؤسسات التربوية أن تواكب وتتفاعل مع هذه المتغيرات التي سوف تحدث في جوهر العملية التربوية، حتى تصبح مؤسسات منتجة للمعرفة ، وهى المنتَج الحقيقي في عصرنا الحالي .
وغنى عن البيان أن كثيراً من التغيرات تحتاج إلى تفعيل اللوائح والتشريعات بكل شفافية ونزاهة؛ وذلك في إطار تفعيل باب المساءلة، بمنهج رشيد تكون الواقعية من مقوماته، واستشراف المستقبل من متطلباته.
أما على المستوى العالمي فتطبق دول العالم أساليب ووسائل مختلفة في حوكمة المؤسسات التربوية، وغالبًا ما تختلف أنظمة الحوكمة؛ من حيث كونها: مؤسسة تربوية عامة أوخاصة، ..إلخ . ونادرًا ما تجد نظامًا محددًا ووحيدًا يحكم كل أنواع المؤسسات التربوية.
ففي دول الاتحاد الأوروبي وعلى الرغم من اختلافها في أساليب أو آليات تطبيق نظام الحوكمة المؤسسية، إلا أنها تتفق على مبادئ حاسمة تتعلق: بالحفاظ على استقلال المؤسسات التربوية، وتأصيل مشاركة أصحاب المصلحة فى إدارة المؤسسات التربوية، وتفعيل مبادئ النزهة والشفافية والمساءلة.
وكأنموذج لدول الاتحاد الأوروبي تأتى انجلترا في طليعة الدول التي تطبق نظام الحوكمة المؤسسية فى مؤسساتها التربوية؛ حيث تعد مؤسساتها التربوية الأقدم فى العالم تطبيقاً لنظام الحوكمة المؤسسية، والتي ما تزال تحافظ على هذا النظام وتعمل على تطويره بشكل مستمر؛ حيث يعتمد نظام الحوكمة على استقلال المؤسسات التربوية وحريتها في تصريف شئونها الفنية والإدارية والمالية، ومشاركة المستفيدين في إدارتها ، إضافة إلى التحديد الواضح لمسئوليات المجالس الحاكمة فى ظل التمسك الصارم بمبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة.
أما فى دول أمريكا الشمالية فتأتى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا فى مقدمة الدول التي تطبق نظام الحوكمة المؤسسية ففي الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر حوكمة المؤسسات التربوية قضية مهمة وحاسمة؛ لارتباطها بالتطوير المستمر للأداء ، حيث قامت بإعادة هيكلة العلاقة بين تلك المؤسسات والوحدات والمؤسسات المحلية ؛ والتي كان من آثارها تفعيل مشاركة المعنيين فى إدارة المؤسسات التربوية ، ومنحها مزيد من الاستقلالية والحرية ، إضافة إلى تنفيذ عدة إجراءات لتفعيل آلية النزاهة في الشؤون المالية ؛ من خلال تفعيل الإدارات المالية بتلك المؤسسات، والاستثمار في التمويل عن طريق البحث عن بدائل جديدة له.
فى ضوء ما سبق يتضح تنوع تطبيق نظام الحوكمة المؤسسية بالمؤسسات التربوية ببعض دول العالم، وقد يرجع هذا التنوع إلى أن نظام الحوكمة المتبع هو نتاج عوامل عديدة منها سياسات الدول وتوجهاتها الاستراتيجية؛ ورؤية وفكر المستفيدين، والمستحدثات التي تطرأ على المؤسسات التربوية، التي تحدث تحولات جمة فى منظومة العمل التربوي، وبطبيعة الحال لن تتشابه المؤسسات التربوية في كل هذه الأمور.
وصفوة القول أنه ينبغي على المؤسسات التربوية التخطيط الجيد عند تطوير نظام الحوكمة المؤسسية. من أجل إحداث نقلة نوعية فى إدارة تلك المؤسسات ، وبما يتماشى مع واقع المؤسسات التربوية السعودية ويتلاءم مع رؤية المملكة 2030 .
مديرة ادارة الجودة وقياس الاداء
الأستاذة هند محميد حمد الفقيه
المملكة العربية السعوديه / وزارة التعليم