لاشك أن الفرق بين التعليم التقليدي والتعليم الإلكتروني عن بعد ملموس وملحوظ، و ما نشعر به من زعزعة حالية ما هو إلا رد فعل طبيعي لزوبعة التغيير والخروج من منطقة الراحة كما يسميه خبراء علم النفس، والتي تنشأ في كل مجتمع كردة فعل مستنكرة لكل جديد ومختلف فطبيعة السلوك الإنساني والعقل البشري تقاوم من أجل الاعتياد والنمطية والروتين وتحارب التجديد لعدم شعورها بالأمان، وهو شعور غير حقيقي ومؤقت، وماهي إلا أيام قلال ونعتاد، بل وننتقد كيف مرت سنينا الأولى بطرقنا التقليدية.
لكن ألستم معي أيضاً في أنه من المؤاخذ على عجلة التعليم أن العالم بأسره يتعامل تقنياً وإلكترونياً وعن بعد في كل أنظمة الحياة، حتى أدوات التواصل الإنساني أصبحت كذلك بل ومعتبرة شرعاً وعرفاً عدا التعليم! فلماذا التعليم وهو أهم عمليات الحياة يبقى متأخراً بأدواته الكلاسيكية التقليدية !
إضافة إلى ذلك ما سيلمس من الإيجابيات الخفية والتي ستتطور و سنلاحظها مع الوقت لاحقاً، إذ ستنمو مهارات على المستوى النفسي والمستوى الشخصي كنا قديماً ننتظر نموها في سنوات، ستنمو مع المتعلم الصغير في أيام معدودة، كتعويده على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس بشكل كامل في عملية التعلم، كذلك مهارة التركيز ستنمو كثيراً، فالتركيز على حاسة أو حاستين سمعية وبصرية أثناء عملية التعليم أمر مجدٍ أكثر من تشتيت حواس المتعلم في الحصة التقليدية ما بين مرئي وسمعي وحركي قد تُخرج الطالب من قالب التعليم إلى قالب الخيال والشرود الذهني بسبب الملل والاستطراد والشعور بالعبء والتشتيت في عالم السرعة الخاطفة.
أما أنا فبالنسبة لي شخصياً تجربة التعليم عن بعد في المرحلة الابتدائية كانت تجربةً فريدةً ومثيرةً رغم قصرها وحداثة توقيتها، فقد أحدثت لدى تلميذاتي قفزةً نوعيةً في سرعة ردود أفعالهن وسرعة استيعابهن وحرصهن على المشاركة وفرض ذواتهن في الحصة بشكل ملموسٍ ومباشر، وهو غاية الهدف المنشود من العملية التعليمية خصوصاً في عالم عقل المتعلم الذي يضج ويزدحم بالتقنيات السريعة والممتعة؛ إذ كان من الضرورة الحتمية أن تتطور آليات وأدوات وطرائق تعليمهن كما تطورت آليات لعبهن ونمط تواصلهن في الحياة كلها.
أظن أن تقزيم التعليم وتأخير التحاق طرائقه بعجلة الحياة المتقدمة وتقنياتها هو سبب عزوف كثير من المتعلمين الصغار عن المدرسة ونظامها التقليدي الممل بالنسبة لهم وتأخر تحصيلهم الدراسي؛ فكيف لعقل الطفل والطفلة أن يعتاد اللعب بجهازه التقني الذكي ويحقق أهدافه الممتعة باللعب وبسرعة خاطفة، ثم يأتي الصباح ليتلقى التعليم بطرقه التقليدية البطيئة في التلقين والاستجابة وليس تنقصاً من هذه الطرق، إنما لكل زمن ما يناسبه، علاوة على أنه أثناء اللعب يستطيع أن يتعلم الطفل وينمي أكثر من مهارة في وقت واحد وقصير!
آن للتعليم أن يلحق بالركب ويتغير حتى بعد جائحة كورونا، وإلا سيصبح بيئة منفرة غير محفزة وغير مقبولة؛ وما هذه الخطوات في التعليم عن بعد إلا قفزة لنظام جديد قوي متقدم، على الجميع معلمين ومتعلمين رغم المشاكل التقنية المؤقتة والتي ستحل مع الوقت تقبله والتهيؤ له بأدواتهم وأساليبهم الجديدة.
كتبته :
هناء بنت إبراهيم المشاري
23 / 1 / 1442 هـ 11 / 9 / 2020 م
معلمة في منطقة حــائل
